ابو عمار مشرف عام
عدد الرسائل : 250 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 14/02/2009
| موضوع: الكوارث الطبيعية الجمعة 13 مارس 2009 - 18:38 | |
| الكوارث الطبيعية
عندما تقع الكارثة الطبيعية، لا يستطيع أحد أن يفعل شيئا غير حصر الأضرار ومحاولة تقليل الخسائر. في ما يخص استباق الكارثة، يمكن للعلماء ان يفعلوا اشياء كثيرة، لاسيما في ما يخص البراكين والأعاصير والسيول الجارفة، انما بمعدلات تختلف باختلاف مستويات تطور البلدان والامكانات المتاحة. لكن العلماء لا يستطيعون ان يقوموا بكل شيء حتى | في البلدان المتطورة. فالعيش عند حدود البراكين يفرض عليك ان تتوقع الأسوأ دائما. والاقامة في منطقة زلزالية يفرض الكثير: فطالما كانت الزلازل هي الاصعب توقعا، عليك ان تقيم بنية تحتية مقاومة.
ليست الكارثة الطبيعية كارثة الا بالنسبة لمحيطها. فان يقع انفجار بركاني في اعماق المحيط لا يكون هناك كارثة الا بالنسبة للاحياء البحرية، او بالنسبة الى سفينة عابرة. والكوارث، باعتبار ان البشر مستوطنون على توسع دائم، هي ظواهر لابد ان يزداد توقعها. ذلك اننا في المقام الأول، نعيش فوق كوكب نشط، اما الثبات فيه فنسبي. بل ان الكارثة لا تقع الا عندما نقف نحن في طريق الظاهرة الطبيعية، وتكون البنية التحتية اضعف من ان تحتوي تطرف الظاهرة.
هذا ما ناقشه الكاتب ارنست زيروفسكي في كتابه «تشريح الكارثة. محن الكوكب الخائف».
المخاطر الطبيعية هي حدود التماس بين العلم الصرف وعامة البشر الذين قد تتباين مخاوفهم بقوة في الحياة اليومية. ومن حدود التماس هذه تبدأ القضايا. فالعلم غريب ويبقى غريبا بالنسبة الى كثير من الناس، حتى عندما تعصف بهم الاعاصير وتضربهم السيول او المجاعات. لكن في الوقت نفسه، ينبغي على الناس والمخططين بل على السياسيين ان يعرفوا كيف يتعايشون مع المخاطر الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والاعاصير والسيول والحرائق والجدب باعتبار انها سمات ملازمة لكوكب الأرض. فعندما تتسع المدن وتزداد كثافة، يكبر عدد الناس المعرضين لخطر الزلازل او غيرها من الجوائح. وهكذا يظهر السؤال التالي في كثير من البلدان: هل يمكننا ان نبني هنا سدا آمنا بما يكفي؟ أو أين نبني مدينتنا؟ وهل نحن معرضون للموت بزلزال او طوفان؟
ربما لا يحوز العلماء دوما جوابا جامعا مانعا. ذلك انهم يتعاملون مع قضايا وأسئلة. فعند اختبار قضية، لا ينشد الباحث الحصول على اجوبة انما على مزيد من الأسئلة. والعلم يزدهر بفعل اختلاف العلماء لا بفعل اتفاقهم. والنظريات يصعب اثباتها في حين يسهل ابطالها. وعندما يسأل حدهم عما اذا كان يجب عليه الانتقال من منطقة معرضة للخطر يأتيه الجواب: حسنا هذا يتوقف على كذا وكذا.
يرى زيروفسكي ان هناك طريقتين للتصدي للزلازل: دراسة المبادئ العامة، والتعلم من دروس كوارث سابقة. وقد جمع زيروفسكي مجموعة جيدة من الامثلة المفيدة غير العادية، موضوعة في اطار علمي يبني ترتيبا منطقيا للفوضى الظاهرة. وهو يدرس في كتابه كثيرا من الكوارث في التاريخ تعتبر وجبة دسمة لأي قارئ للكوارث الطبيعية: من ضربات النيازك الى الأوبئة والعواصف الاستوائية والانجرافات الثلجية. لكن بدلا من معاودة رواية الاحداث السابقة اختار زيروفسكي موضوعاته بعناية. فكل منها كانت تنطوي على رسالة واضحة.
ويستعمل زيروفسكي الأرقام بطريقة استراتيجية: فالوقائع والارقام كثيرة، لكنها تخيف القارئ. فبدلا من ان يعيد احياء اهوال زلزال 1906 في سان فرانسيسكو، فهو يقيم مقارنة بين هذا الزلزال وزلزال آخر مماثل ضرب مدينة ميسينا في صقلية بعد سنتين. وكان الخطر الذي واجه سكان صقلية اعظم بـ 400 مرة مما واجه سكان سان فرانسيسكو والسبب هو طريقة البناء. فالخشب رخيص ومتوافر في كاليفورنيا في منعطف القرن، في حين انه كان يندر في صقلية وتتوافر لديها الحجارة. فقد كانت البيوت في كاليفورنيا اكثر مرونة عند وقوع الزلزال فتعطي سكانها الفرصة للهرب قبل اشتعال الحرائق. وفي ميسينا كانت المنازل الحجرية تنهار فتسحق قاطنيها.
في فبراير من عام 1999 حدث انهيار ثلجي كارثي في منطقة غالتور في النمسا فقتل 31 شخصا. وفي الاشهر الستة التالية توجه فريق علمي الى المنطقة حتى يفكك سلسلة الاحداث التي افضت الى الكارثة. وهكذا ادت بحوث العلماء بشأن القوى المتطرفة للطبيعة المسؤولة عن الكارثة الى مساعدة الناس في اعادة تقييم حساباتهم المتصلة بالانهيارات الثلجية.
كان منتجع غالتور للتزلج يعتبر منطقة آمنة نسبيا. ففي معظم السنين كانت تحدث انهيارات ثلجية بسيطة تتخذ مسارا معروفا، لكنه يحيد قليلا عن القرية. وكانت النماذج الرياضية قد أفادت ان هذه الانهيارات لن تبلغ ابدا القرية التي تبعد نحو 200 متر عن قاعدة الجبل. وهكذا كان بلوغ الانهيار للقرية قضية غامضة. لكن العلماء الذين درسوا ظروف الرياح والمناخ وقت حدوث الكارثة استطاعوا احتساب القوى الفيزيائية التي تقف وراء الانهيار القاتل.
بل ان العلماء قاموا بتجربة جريئة في الشهر نفسه لوقوع الكارثة. فقد بنوا حاجزا من الاسمنت المسلح مزود بأجهزة كاشفة. وفوق الحاجز احدث العلماء بواسطة المتفجرات انهيارا ثلجيا. وحين تدهورت الثلوج نزولا على سفح الجبل غاب الحاجز عن الانظار لكنه قدم بيانات فريدة.
كشفت النتائج معلومات جديدة غير منتظرة بشأن آلية حدوث الانهيار الثلجي. فقد سمح الرادار للعلماء بالرؤية في قلب الانهيار لحظة حدوثه ليوفر معلومات بشأن طريقة تراكم الثلوج وطبقاتها. وهذه النتائج اتاحت للعلماء ان يعرفوا كيفية ترتيب الاحداث في غالتور وان يعرفوا لماذا وقعت الكارثة.
هكذا تم اتخاذ احتياطات كان يعتقد سابقا انها غير ضرورة ووسع العلماء نطاق المناطق المعرضة للخطر. ولمنع الانهيارات من ان تبدأ في اعالي الجبال، اقيمت حواجز فولاذية، ليضاف اليها سد اسمنتي يفصل بين السفوح والقرية. أما المنازل التي سحقها الانهيار فسيقام مكانها بيوت ذات جدران مقاومة من الاسمنت المسلح بلا أي نوافذ من جهة الخطر.
لكن ماذا يستطيع العلم ان يفعل في مواجهة كارثة طبيعية مثل اعصار ميتش الذي يعتبر أسوأ كارثة طبيعية في التاريخ الحديث في اميركا الوسطى. فقد أجبر ملايين الناس على هجر بيوتهم واحدث دمارا عظيما وسيولا موحلة وطوفانات واسقط قتلى من غواتيمالا الى كوستا ريكا. وقالت هندوراس التي نزلت بها اعظم الخسائر ان الكارثة غير مشهودة من قبل.
لقد توقعت الارصاد الجوية هذا الاعصار، وتنبأ العلماء ان يمر بموازاة ساحل هندوراس وان يتجه شمالا. لكنه ضرب هندوراس وتوقف فيها فاحدث امطارا مدرارة غير منتظرة دامت اياما فوق هندوراس وشمال نيكاراغوا، وحين صفت السماء ظهر ما يشبه التدمير الشامل. وبالاضافة الى عدم دقة التنبؤ هناك قضايا اخرى: ذلك ان كثيرا من الناس يبنون منازلهم في مناطق غير ملائمة للسكن وبطريقة تجعل البيوت مجرد اوراق متطايرة في مهب الاعصار. بل ان شبه انعدام وسائل الاتصالات يجعل الناس يؤخذون على حين غرة.
ان واحدة من الصعوبات الجوهرية بشأن فهم علم المخاطر الطبيعية وعواقبها هي ان هذا العلم غالبا ما يتناقض مع الحدس. فالناس يصعب عليهم ان يتصوروا الأرض وهي تموج مثل موجات البحر، ناهيك عن اقناعهم بالتحسب لمثل هذا الخطر. لكنه يحاول بارقام معروفة ان يطلع الناس على طبيعة الكوكب الذي يحضنهم. فالضغط في قلب الكرة الارضية يبلغ ثلاثة ملايين ضغط جوي، والحرارة تقارب نحو ستة الاف كالفن. وهكذا ينبغي على العلم ان يتوقع الأسوأ من كوكب صفته الدائمة هي النشاط. فهل يمكنك استبعاد حدوث موجات تسونامي حتى في أكثر المناطق هدوءا؟
أحيانا، يكون النشاط البشري سببا في تفاقم الكارثة الطبيعية. ذلك ان الاعصار «ميتش» عقد جهود الانقاذ وحياة السكان المحليين عندما جرفت السيول حقول الألغام فتناثرت تحت الاتربة المجروفة وصارت شراكا لم يضعها احد. وما يفاقم الكارثة أيضا هو رداءة اجراءات الاغاثة. ذلك ان الانهيارات الزلزالية والسيول وانفجارات البراكين تطرح تحديات على المنقذين لجهة عدم كفاية التكنولوجيا والمعدات.
حتى الولايات المتحدة نفسها، صاحبة اكبر اقتصاد في العالم، صارت حسب تقرير لمجموعة خبراء من جامعة برنستون في نيوجيرسي اكثر تعرضا للمخاطر الطبيعية. وقد أرجع الخبراء ذلك الى التغييرات السكانية وتنامي الثروة الوطنية ذلك ان مزيدا من الناس صاروا يقطنون في المناطق المعرضة للكوارث. أفليست كاليفورنيا مثالا على ذلك؟
في معظم القرن العشرين نجت الولايات المتحدة من الكوارث الطبيعية الضخمة، فلم يضرب زلزال تفوق قوته ثماني درجات على مقياس ريختر أي منطقة حضرية منذ الزلزال الذي دمر سان فرانسيسكو عام 1906 ولم يضرب اي اعصار كارثي أي منطقة حضرية مهمة منذ الاعصار الذي عصف بمدينة ميامي في فلوريدا عام 1926. غير ان الخسائر الاجمالية الناتجة من المخاطر الطبيعية مثل التطرف المناخي والجفاف والحرائق قد بلغت نحو 54 مليار دولار من 1993 حتى 1998.
وتعتبر الكلفة العامة للمخاطر الطبيعية تقديرية لانها تتوقف على ما اذا كانت النتائج المالية مشمولة، ومنها التأمين والتعويضات. لكن الكلفة المباشرة لاصلاح الاضرار تبلغ نحو 20 مليار دولار في السنة منها نحو 15 مليار دولار عائدة إلى الزلازل والاعاصير والزوابع الاستوائية والسيول.
لقد ادى تحسن تكنولوجيا التنبؤ المناخي ونظم الانذار ومدونات البناء الى خفض عظيم في عدد الوفيات الناتجة عن الكوارث الطبيعية في الولايات المتحدة، غير ان الخسائر الاقتصادية ازدادت بعدة اضعاف.
ويؤكد الخبراء الاميركيون ان ارتفاع مستوى البحار والتغيرات المناخية والأنماط المناخية مثل ظاهرة «النينيو»، وهي عناصر لا يقتصر تأثيرها على بلد واحد او قارة واحدة، تفضي الى تكاثر الاعاصير والزوابع المدمرة والسيول. بل ان ارتفاع الخسائر يؤكد ان الناس هم الذين يضعون انفسهم والأملاك في طريق الكوارث الطبيعية، ومنها السهوب الوطيئة المعرضة للفيضانات والجزر الواقعة على اطراف الشرائح التكتونية ومناطق الصدوع الزلزالية.
بل ان ماري كوماريو وهي نائبة رئيس قسم العمارة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي ترى ان التدمير الناتج من الزلازل القوية في تركيا وتايوان يثير قشعريرة بشأن ما يمكن ان يحصل في بعض المناطق الحضرية المهمة في الولايات المتحدة. فانهيار البنى الحديثة لا يعود الى اجراءات التشييد وحدها ونحن نعيش في وقت يزداد فيه انتقال الناس من المناطق الريفية الى المدن وكثير منها يقع في طريق الزلازل والاعاصير او الكوارث الأخرى.
تقول كوماريو: خبرة الولايات المتحدة مع الكوارث الطبيعية ركزت في العقد الاخير للقرن العشرين على سياسة ما قبل الكوارث وما بعدها. لكن التحضير المتنامي أدى الى ازدياد كلفة الكوارث برغم كون القرن الماضي هادئا نسبيا. فالكوارث الخمس الكبرى التي ضربت الولايات المتحدة بين عامي 1989 و1994 كلفت نحو 75 مليار دولار نصفها يختص بالبنى المعمارية. لكن الاميركيين لم يعودوا يأبهون بمثل هذه الكوارث لكونها لم تؤد الى كثير من القتلى. وفي أي حال، يبقى اعصار «اندرو» الذي ضرب قضاء ساوث دايد في فلوريدا عام 1992 وزلزال نورثريدج الذي ضرب وادي سان فرناندو عام 1992 كارثتين ماليتين بالنسبة لشركات التأمين.
هاتان الكارثتان سلطتا الضوء على الخسائر المالية المحتملة في حال اصابة منطقة حضرية كبيرة. فلو ان اعصارا مثل اعصار فلوريدا ضرب وسط ميامي، ولو ان زلزالا بقوة زلزال كوبي في اليابان حدث في سان فرانسيسكو او لوس انجلوس لكانت الخسائر الرأسمالية تراوح بين خمسين ومائة مليار دولار. ولو أن كارثة ضخمة ضربت واحدة من هاتين المنطقتين لكان يصعب تأمين التعويات، ذلك ان التأمين على المنازل صار مكلفا وصعبا، في حين ان الاموال الفيدرالية غير كافية.
لقد صدمت شركات التأمين بالخسائر الناتجة من اعصار اندرو وزلزال نورثريدج فافلست تسع منها. ولم يعد كثير من الشركات يقدم تأمينا ضد الكوارث في كاليفورنيا وفلوريدا وهاواي. فالتغطية متوافرة فقط من خلال لوائح تأمين محدودة من سلطات الولاية. فمن يعيد بعد الآن مئات آلاف المنازل والشقق والأبنية التجارية؟
عام 1999، نشرت مصلحة المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة تقريرا بحثيا يتوقع باحتمالية 70 بالمائة حدوث زلزال بقوة 7،6 درجات على مقياس ريختر او اقوى في منطقة خليج سان فرانسيسكو في السنوات الثلاثين المقبلة. وفي السنوات العشر التي تلت زلزال لوما بريتا (بقوة 1،7 درجات ومركزه يبعد 60 ميلا جنوب سان فرانسيسكو) لم تستكمل بعد اصلاحات الطرق السريعة والجسور. وتتوقع المصلحة أن يؤدي زلزال مركزه في صدع هايوورد وهو أقرب الى سان فرانسيسكو الى اضرار واسعة الانتشار بما في ذلك انهيار الجسور وتدمير نظم النقل وعرقلة نظم الاتصالات والمرافق المهمة. بل ان الاضرار في القطاع السكني قد تبلغ مستوى كارثة كوبي في اليابان حيث صارت 400 الف وحدة سكنية غير قابلة للاستعمال.
هذا في البلدان المتطورة مثل الولايات المتحدة واليابان. فماذا بالنسبة الى البلدان النامية عندما يتناقض منطقا الطبيعة والتطور العمراني؟ حسب الأرقام الحالية، آلاف القلتى والجرحى والمشردين، ناهيك عن الخسائر المادية. وماذا بالنسبة الى الشرق الأوسط الذي له تاريخ طويل من الكوارث الطبيعية؟
المصادر
مجلة «نيوساينتيست»
27 سبتمبر 1997
20 فبراير 1999
بي.بي.سي 25 نوفمبر 1999
مجلة Issues in Science and Technology ربيع 2000
قسم العلوم الجيولوجية، جامعة برنستون | |
|